التشاجيح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

‏اسقه عسلا فسقاه فقال إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا‏

اذهب الى الأسفل

‏اسقه عسلا فسقاه فقال إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا‏  Empty ‏اسقه عسلا فسقاه فقال إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا‏

مُساهمة من طرف  الثلاثاء أغسطس 24, 2010 7:09 am

‏اسقه عسلا فسقاه فقال إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا‏

‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن جعفر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي المتوكل ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد ‏ ‏قال ‏
‏جاء رجل إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال إن أخي ‏ ‏استطلق ‏ ‏بطنه فقال ‏ ‏اسقه عسلا فسقاه فقال إني سقيته فلم يزده إلا ‏ ‏استطلاقا ‏ ‏فقال صدق الله وكذب بطن أخيك ‏
‏تابعه ‏ ‏النضر ‏ ‏عن ‏ ‏شعبة ‏




فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قَوْله : ( قَتَادَة عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّل ) ‏
‏كَذَا لِشُعْبَة وَسَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة . وَخَالَفَهُمَا شَيْبَانَ فَقَالَ : " عَنْ قَتَادَة عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق عَنْ أَبِي سَعِيد " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَمْ يُرَجِّح , وَاَلَّذِي يَظْهَر تَرْجِيح طَرِيق أَبِي الْمُتَوَكِّل لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ عَلَيْهَا شُعْبَة وَسَعِيد أَوَّلًا ثُمَّ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم ثَانِيًا , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَحْمَد عَنْ حَجَّاج عَنْ شُعْبَة " عَنْ قَتَادَة سَمِعْت أَبَا الْمُتَوَكِّل " . ‏

‏قَوْله : ( جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ أَخِي ) ‏
‏لَمْ أَقِف عَلَى اِسْم وَاحِد مِنْهُمَا . ‏

‏قَوْله : ( اُسْتُطْلِقَ بَطْنه ) ‏
‏بِضَمِّ الْمُثَنَّاة وَسُكُون الطَّاء الْمُهْمَلَة وَكَسْر اللَّام بَعْدهَا قَاف , أَيْ كَثُرَ خُرُوج مَا فِيهِ , يُرِيد الْإِسْهَال . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة فِي رَابِع بَاب مِنْ كِتَاب الطِّبّ " هَذَا اِبْن أَخِي يَشْتَكِي بَطْنه " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقه " قَدْ عَرِبَ بَطْنه " وَهِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَالرَّاء الْمَكْسُورَة ثُمَّ الْمُوَحَّدَة أَيْ فَسَدَ هَضْمه لِاعْتِلَالِ الْمَعِدَة , وَمِثْله ذَرِبَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة بَدَل الْعَيْن وَزْنًا وَمَعْنًى . ‏

‏قَوْله : ( فَقَالَ اِسْقِهِ عَسَلًا ) ‏
‏وَعِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق خَالِد بْن الْحَارِث عَنْ شُعْبَة " اِسْقِهِ الْعَسَل " وَاللَّام عَهْدِيَّة , وَالْمُرَاد عَسَل النَّحْل , وَهُوَ مَشْهُور عِنْدهمْ , وَظَاهِرُهُ الْأَمْر بِسَقْيِهِ صِرْفَا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَمْزُوجًا . ‏

‏قَوْله : ( فَسَقَاهُ فَقَالَ : إِنِّي سَقَيْته فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اِسْتِطْلَاقًا ) ‏
‏كَذَا فِيهِ , وَفِي السِّيَاق حَذْف تَقْدِيره . ‏
‏فَسَقَاهُ فَلَمْ يَبْرَأ , فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي سَقَيْته , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَسَقَاهُ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : إِنِّي سَقَيْته فَلَمْ يَزْدَدْ إِلَّا اِسْتِطْلَاقًا " أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّد بْن بَشَّار الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ عَنْهُ وَلَكِنْ قَرَنَهُ بِمُحَمَّدِ بْن الْمُثَنَّى وَقَالَ : إِنَّ اللَّفْظ لِمُحَمَّدِ بْن الْمُثَنَّى . نَعَمْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن بَشَّار وَحْده بِلَفْظِ " ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , إِنِّي قَدْ سَقَيْته عَسَلًا فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اِسْتِطْلَاقًا " . ‏

‏قَوْله : ( فَقَالَ صَدَقَ اللَّه ) ‏
‏كَذَا اِخْتَصَرَهُ , وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ " فَقَالَ اِسْقِهِ عَسَلًا , فَسَقَاهُ , ثُمَّ جَاءَ " فَذَكَرَ مِثْله فَقَالَ : " صَدَقَ اللَّه " وَفِي رِوَايَة مُسْلِم " فَقَالَ لَهُ ثَلَاث مَرَّات , ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَة فَقَالَ : اِسْقِهِ عَسَلًا فَقَالَ سَقَيْته فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اِسْتِطْلَاقًا , فَقَالَ صَدَقَ اللَّه " وَعِنْد أَحْمَد عَنْ يَزِيد بْن هَارُون عَنْ شُعْبَة " فَذَهَبَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : قَدْ سَقَيْته فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اِسْتِطْلَاقًا , فَقَالَ : اِسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ " كَذَلِكَ ثَلَاثًا وَفِيهِ " فَقَالَ فِي الرَّابِعَة اِسْقِهِ عَسَلًا " وَعِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ رِوَايَة خَالِد بْن الْحَارِث ثَلَاث مَرَّات يَقُول فِيهِنَّ مَا قَالَ فِي الْأُولَى . وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَة سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة بِلَفْظِ " ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَة فَقَالَ اِسْقِهِ عَسَلًا ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَة " . ‏

‏قَوْله : ( فَقَالَ صَدَقَ اللَّه وَكَذَبَ بَطْن أَخِيك ) ‏
‏زَادَ مُسْلِم فِي رِوَايَته " فَسَقَاهُ فَبَرَأَ " وَكَذَا لِلتِّرْمِذِيِّ , وَفِي رِوَايَة أَحْمَد عَنْ يَزِيد بْن هَارُون , فَقَالَ فِي الرَّابِعَة اِسْقِهِ عَسَلًا , قَالَ : فَأَظُنّهُ قَالَ فَسَقَاهُ فَبَرَأَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّابِعَة : صَدَقَ اللَّه وَكَذَبَ بَطْن أَخِيك " كَذَا وَقَعَ لِيَزِيدَ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَة خَالِد بْن الْحَارِث " فَقَالَ فِي الرَّابِعَة صَدَقَ اللَّه وَكَذَبَ بَطْن أَخِيك " وَاَلَّذِي اِتَّفَقَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَمَنْ تَابَعَهُ أَرْجَح , وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَوْل وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد الثَّالِثَة , وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْقِيه عَسَلًا فَسَقَاهُ فِي الرَّابِعَة فَبَرَأَ . وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة " ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَة فَقَالَ اِسْقِهِ عَسَلًا , ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ : قَدْ فَعَلْت , فَسَقَاهُ فَبَرَأَ " . ‏

‏قَوْله : ( تَابَعَهُ النَّضْر ) ‏
‏يَعْنِي اِبْن شُمَيْلٍ بِالْمُعْجَمَةِ مُصَغَّر ‏
‏( عَنْ شُعْبَة ) ‏
‏وَصَلَهُ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَده عَنْ النَّضْر , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : وَتَابَعَهُ أَيْضًا يَحْيَى بْن سَعِيد وَخَالِد بْن الْحَارِث وَيَزِيد بْن هَارُون . قُلْت : رِوَايَة يَحْيَى عِنْد النَّسَائِيِّ فِي " الْكُبْرَى " وَرِوَايَة خَالِد عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ أَبِي يَعْلَى , وَرِوَايَة يَزِيد عِنْد أَحْمَد وَتَابَعَهُمْ أَيْضًا حَجَّاج بْن مُحَمَّد وَرَوْح بْن عُبَادَةَ وَرِوَايَتهمَا عِنْد أَحْمَد أَيْضًا , قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره : أَهْل الْحِجَاز يُطْلِقُونَ الْكَذِب فِي مَوْضِع الْخَطَأ , يُقَال كَذَبَ سَمْعك أَيْ زَلَّ فَلَمْ يُدْرِك حَقِيقَة مَا قِيلَ لَهُ , فَمَعْنَى كَذَبَ بَطْنه أَيْ لَمْ يَصْلُح لِقَبُولِ الشِّفَاء بَلْ زَلَّ عَنْهُ , وَقَدْ اِعْتَرَضَ بَعْض الْمَلَاحِدَة فَقَالَ : الْعَسَل مُسَهِّل فَكَيْف يُوصَف لِمَنْ وَقَعَ بِهِ الْإِسْهَال ؟ وَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ جَهْل مِنْ قَائِله , بَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) فَقَدْ اِتَّفَقَ الْأَطِبَّاء عَلَى أَنَّ الْمَرَض الْوَاحِد يَخْتَلِف عِلَاجه بِاخْتِلَافِ السِّنّ وَالْعَادَة وَالزَّمَان وَالْغِذَاء الْمَأْلُوف وَالتَّدْبِير وَقُوَّة الطَّبِيعَة , وَعَلَى أَنَّ الْإِسْهَال يَحْدُث مِنْ أَنْوَاع مِنْهَا الْهَيْضَة الَّتِي تَنْشَأ عَنْ تُخَمَة وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عِلَاجهَا بِتَرْكِ الطَّبِيعَة وَفِعْلهَا , فَإِنَّ اِحْتَاجَتْ إِلَى مُسَهِّل مُعَيَّن أُعِينَتْ مَا دَامَ بِالْعَلِيلِ قُوَّة , فَكَأَنَّ هَذَا الرَّجُل كَانَ اِسْتِطْلَاق بَطْنه عَنْ تُخَمَة أَصَابَتْهُ فَوَصَفَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَسَل لِدَفْعِ الْفُضُول الْمُجْتَمِعَة فِي نَوَاحِي الْمَعِدَة وَالْأَمْعَاء لِمَا فِي الْعَسَل مِنْ الْجَلَاء وَدَفْع الْفُضُول الَّتِي تُصِيب الْمَعِدَة مِنْ أَخْلَاط لَزِجَة تَمْنَع اِسْتِقْرَار الْغِذَاء فِيهَا , وَلِلْمَعِدَةِ خَمْل كَخَمْلِ الْمِنْشَفَة , فَإِذَا عَلِقَتْ بِهَا الْأَخْلَاط اللَّزِجَة أَفْسَدَتْهَا وَأَفْسَدَتْ الْغِذَاء الْوَاصِل إِلَيْهَا , فَكَانَ دَوَاؤُهَا بِاسْتِعْمَالِ مَا يَجْلُو تِلْكَ الْأَخْلَاط , وَلَا شَيْء فِي ذَلِكَ مِثْل الْعَسَل , لَا سِيَّمَا إِنْ مُزِجَ بِالْمَاءِ الْحَارّ , وَإِنَّمَا لَمْ يُفِدْهُ فِي أَوَّل مَرَّة لِأَنَّ الدَّوَاء يَجِب أَنْ يَكُون لَهُ مِقْدَار وَكَمِّيَّة بِحَسَبِ الدَّاء , إِنْ قَصُرَ عَنْهُ لَمْ يَدْفَعهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ جَاوَزَهُ أَوْهَى الْقُوَّة وَأَحْدَثَ ضَرَرًا آخَر فَكَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ أَوَّلًا مِقْدَارًا لَا يَفِي بِمُقَاوَمَةِ الدَّاء , فَأَمَرَهُ بِمُعَاوَدَةِ سَقْيه , فَلَمَّا تَكَرَّرَتْ الشَّرَبَات بِحَسَبِ مَادَّة الدَّاء بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى . وَفِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَكَذَبَ بَطْن أَخِيك " إِشَارَة إِلَى أَنَّ هَذَا الدَّوَاء نَافِع , وَأَنَّ بَقَاء الدَّاء لَيْسَ لِقُصُورِ الدَّوَاء فِي نَفْسه وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ الْمَادَّة الْفَاسِدَة , فَمِنْ ثَمَّ أَمَرَهُ بِمُعَاوَدَةِ شُرْب الْعَسَل لِاسْتِفْرَاغِهَا , فَكَانَ كَذَلِكَ , وَبَرَأَ بِإِذْنِ اللَّه . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَالطِّبّ نَوْعَانِ , طِبّ الْيُونَان وَهُوَ قِيَاسِيّ , وَطِبّ الْعَرَب وَالْهِنْد وَهُوَ تَجَارِبِيّ , وَكَانَ أَكْثَر مَا يَصِفهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يَكُون عَلِيلًا عَلَى طَرِيقَة طِبّ الْعَرَب , وَمِنْهُ مَا يَكُون مِمَّا اِطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ . وَقَدْ قَالَ صَاحِب " كِتَاب الْمِائَة فِي الطِّبّ " إِنَّ الْعَسَل تَارَة يَجْرِي سَرِيعًا إِلَى الْعُرُوق وَيَنْفُذ مَعَهُ جُلّ الْغِذَاء وَيُدِرّ الْبَوْل فَيَكُون قَابِضًا , وَتَارَة يَبْقَى فِي الْمَعِدَة فَيُهَيِّجهَا بِلَذْعِهَا حَتَّى يَدْفَع الطَّعَام وَيُسَهِّل الْبَطْن فَيَكُون مُسَهِّلًا . فَإِنْكَار وَصْفه لِلْمُسْهِلِ مُطْلَقًا قُصُور مِنْ الْمُنْكِر . وَقَالَ غَيْره : طِبّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَيَقَّن الْبُرْء لِصُدُورِهِ عَنْ الْوَحْي , وَطِبّ غَيْره أَكْثَره حَدْس أَوْ تَجْرِبَة , وَقَدْ يَتَخَلَّف الشِّفَاء عَنْ بَعْض مَنْ يَسْتَعْمِل طِبّ النُّبُوَّة , وَذَلِكَ لِمَانِعٍ قَامَ بِالْمُسْتَعْمِلِ مِنْ ضَعْف اِعْتِقَاد الشِّفَاء بِهِ وَتَلَقِّيه بِالْقَبُولِ , وَأَظْهَر الْأَمْثِلَة فِي ذَلِكَ الْقُرْآن الَّذِي هُوَ شِفَاء لِمَا فِي الصُّدُور , وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ لَا يَحْصُل لِبَعْضِ النَّاس شِفَاء صَدْره لِقُصُورِهِ فِي الِاعْتِقَاد وَالتَّلَقِّي بِالْقَبُولِ , بَلْ لَا يَزِيد الْمُنَافِق إِلَّا رِجْسًا إِلَى رِجْسه وَمَرَضًا إِلَى مَرَضه , فَطِبّ النُّبُوَّة لَا يُنَاسِب إِلَّا الْأَبْدَان الطَّيِّبَة , كَمَا أَنَّ شِفَاء الْقُرْآن لَا يُنَاسِب إِلَّا الْقُلُوب الطَّيِّبَة ; وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : فِي وَصْفه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَسَل لِهَذَا الْمُنْسَهِل أَرْبَعَة أَقْوَال : أَحَدهَا أَنَّهُ حَمَلَ الْآيَة عَلَى عُمُومهَا فِي الشِّفَاء , وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ : " صَدَقَ اللَّه " أَيْ فِي قَوْله : ( فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ ) فَلَمَّا نَبَّهَهُ عَلَى هَذِهِ الْحِكْمَة تَلَقَّاهَا بِالْقَبُولِ , فَشُفِيَ بِإِذْنِ اللَّه . الثَّانِي : أَنَّ الْوَصْف الْمَذْكُور عَلَى الْمَأْلُوف مِنْ عَادَتهمْ مِنْ التَّدَاوِي بِالْعَسَلِ فِي الْأَمْرَاض كُلّهَا . الثَّالِث : أَنَّ الْمَوْصُوف لَهُ ذَلِكَ كَانَتْ بِهِ هَيْضَة كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره . الرَّابِع : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَمَرَهُ بِطَبْخِ الْعَسَل قَبْل شُرْبه فَإِنَّهُ يَعْقِد الْبَلْغَم , فَلَعَلَّهُ شَرِبَهُ أَوَّلًا بِغَيْرِ طَبْخ اِنْتَهَى . وَالثَّانِي وَالرَّابِع ضَعِيفَانِ وَفِي كَلَام الْخَطَّابِيّ اِحْتِمَال آخَر , وَهُوَ أَنْ يَكُون الشِّفَاء يَحْصُل لِلْمَذْكُورِ بِبَرَكَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَرَكَة وَصْفه وَدُعَائِهِ ; فَيَكُون خَاصًّا بِذَلِكَ الرَّجُل دُون غَيْره , وَهُوَ ضَعِيف أَيْضًا . وَيُؤَيِّد الْأَوَّل حَدِيث اِبْن مَسْعُود " عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ : الْعَسَل وَالْقُرْآن " أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ وَالْحَاكِم مَرْفُوعًا , وَأَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة وَالْحَاكِم مَوْقُوفًا , وَرِجَاله رِجَال الصَّحِيح . وَأَثَر عَلِيّ " إِذَا اِشْتَكَى أَحَدكُمْ فَلْيَسْتَوْهِب مِنْ اِمْرَأَته مِنْ صَدَاقهَا فَلْيَشْتَرِ بِهِ عَسَلًا , ثُمَّ يَأْخُذ مَاء السَّمَاء فَيُجْمَع هَنِيئًا مَرِيئًا شِفَاء مُبَارَكًا " أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم فِي التَّفْسِير بِسَنَدٍ حَسَن , قَالَ اِبْن بَطَّال : يُؤْخَذ مِنْ قَوْله : " صَدَقَ اللَّه وَكَذَبَ بَطْن أَخِيك " أَنَّ الْأَلْفَاظ لَا تُحْمَل عَلَى ظَاهِرهَا , إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَرِئَ الْعَلِيل مِنْ أَوَّل شَرْبَة , فَلَمَّا لَمْ يَبْرَأ إِلَّا بَعْد التَّكْرَار دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَلْفَاظ تَقْتَصِر عَلَى مَعَانِيهَا . قُلْت : وَلَا يَخْفَى تَكَلُّف هَذَا الِانْتِزَاع . وَقَالَ أَيْضًا : فِيهِ أَنَّ الَّذِي يَجْعَل اللَّه فِيهِ الشِّفَاء قَدْ يَتَخَلَّف لِتَتِمّ الْمُدَّة الَّتِي قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا الدَّاء . وَقَالَ غَيْره : فِي قَوْله فِي رِوَايَة سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة " فَسَقَاهُ فَبَرَأَ " بِفَتْحِ الرَّاء وَالْهَمْز بِوَزْنِ قَرَأَ وَهِيَ لُغَة أَهْل الْحِجَاز , وَغَيْرهمْ يَقُولهَا بِكَسْرِ الرَّاء بِوَزْنِ عَلِمَ , وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي الصِّدِّيق النَّاجِيّ فِي آخِره " فَسَقَاهُ فَعَافَاهُ اللَّه " وَاَللَّه أَعْلَم . ‏





تاريخ التسجيل : 01/01/1970

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى