وأنهى أمتي عن الكي
التشاجيح :: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
صفحة 1 من اصل 1
وأنهى أمتي عن الكي
الشفاء في ثلاثة شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنهى
حدثني الحسين حدثنا أحمد بن منيع حدثنا مروان بن شجاع حدثنا سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
الشفاء في ثلاثة شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنهى أمتي عن الكي
رفع الحديث ورواه القمي عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في العسل والحجم
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله : ( حَدَّثَنِي الْحُسَيْن )
كَذَا لَهُمْ غَيْر مَنْسُوب , وَجَزَمَ جَمَاعَة بِأَنَّهُ اِبْن مُحَمَّد بْن زِيَاد النَّيْسَابُورِيّ الْمَعْرُوف بِالْقَبَّانِيّ , قَالَ الْكَلَابَاذِيّ : كَانَ يُلَازِم الْبُخَارِيّ لَمَّا كَانَ بِنَيْسَابُور وَكَانَ عِنْده مُسْنَد أَحْمَد بْن مَنِيع سَمِعَهُ مِنْهُ يَعْنِي شَيْخه فِي هَذَا الْحَدِيث , وَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِم فِي تَارِيخه مِنْ طَرِيق الْحُسَيْن الْمَذْكُور أَنَّهُ رَوَى حَدِيثًا فَقَالَ : كَتَبَ عَنِّي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل هَذَا الْحَدِيث . وَرَأَيْت فِي كِتَاب بَعْض الطَّلَبَة قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ عَنِّي ا ه . وَقَدْ عَاشَ الْحُسَيْن الْقَبَّانِيّ بَعْد الْبُخَارِيّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَة وَكَانَ مِنْ أَقْرَان مُسْلِم , فَرِوَايَة الْبُخَارِيّ عَنْهُ مِنْ رِوَايَة الْأَكَابِر عَنْ الْأَصَاغِر . وَأَحْمَد بْن مَنِيع شَيْخ الْحُسَيْن فِيهِ مِنْ الطَّبَقَة الْوُسْطَى مِنْ شُيُوخ الْبُخَارِيّ , فَلَوْ رَوَاهُ عَنْهُ بِلَا وَاسِطَة لَمْ يَكُنْ عَالِيًا لَهُ . وَكَانَتْ وَفَاة أَحْمَد بْن مَنِيع - وَكُنْيَته أَبُو جَعْفَر - سَنَة أَرْبَع وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ أَرْبَع وَثَمَانُونَ سَنَة , وَاسْم جَدّه عَبْد الرَّحْمَن وَهُوَ جَدّ أَبِي الْقَاسِم الْبَغَوِيِّ لِأُمِّهِ , وَلِذَلِكَ يُقَال لَهُ الْمَنِيعِيّ وَابْن بِنْت مَنِيع , وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث , وَجَزَمَ الْحَاكِم بِأَنَّ الْحُسَيْن الْمَذْكُور هُوَ اِبْن يَحْيَى بْن جَعْفَر الْبِيكَنْدِيّ وَقَدْ أَكْثَرَ الْبُخَارِيّ الرِّوَايَة عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْن جَعْفَر وَهُوَ مِنْ صِغَار شُيُوخه , وَالْحُسَيْن أَصْغَر مِنْ الْبُخَارِيّ بِكَثِيرٍ , وَلَيْسَ فِي الْبُخَارِيّ عَنْ الْحُسَيْن سَوَاء كَانَ الْقَبَّانِيّ أَوْ الْبِيكَنْدِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث . وَقَوْل الْبُخَارِيّ بَعْد ذَلِكَ " حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحِيم " هُوَ الْمَعْرُوف بِصَاعِقَة يَكْنِي أَبَا يَحْيَى وَكَانَ مِنْ كِبَار الْحُفَّاظ وَهُوَ مِنْ أَصَاغِر شُيُوخ الْبُخَارِيّ وَمَاتَ قَبْل الْبُخَارِيّ بِسَنَةٍ وَاحِدَة وَسُرَيْج بْن يُونُس شَيْخه بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيم مِنْ طَبَقَة أَحْمَد بْن مَنِيع وَمَاتَ قَبْله بِعَشْرِ سِنِينَ , وَشَيْخهمَا مَرْوَان بْن شُجَاع هُوَ الْحَرَّانِيّ أَبُو عَمْرو , وَأَبُو عَبْد اللَّه مَوْلَى مُحَمَّد بْن مَرْوَان بْن الْحَكَم نَزَلَ بَغْدَاد وَقَوَّاهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَغَيْره , وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ : يُكْتَب حَدِيثه وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ , وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث وَآخَر تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَات , وَلَمْ يَتَّفِق وُقُوع هَذَا الْحَدِيث لِلْبُخَارِيِّ عَالِيًا , فَإِنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَصْحَاب مَرْوَان بْن شُجَاع هَذَا وَلَمْ يَقَع لَهُ هَذَا الْحَدِيث عَنْهُ إِلَّا بِوَاسِطَتَيْنِ , وَشَيْخه سَالِم الْأَفْطَس هُوَ اِبْن عَجْلَان وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ رِوَايَة مَرْوَان بْن شُجَاع عَنْهُ .
قَوْله : ( حَدَّثَنِي سَالِم الْأَفْطَس )
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَنْ سَالِم وَقَعَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ " عَنْ الْمَنِيعِيّ حَدَّثَنَا جَدِّي هُوَ أَحْمَد بْن مَنِيع حَدَّثَنَا مَرْوَان بْن شُجَاع قَالَ مَا أَحْفَظهُ إِلَّا عَنْ سَالِم الْأَفْطَس حَدَّثَنِي " فَذَكَرَهُ , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : صَارَ الْحَدِيث عَنْ مَرْوَان بْن شُجَاع بِالشَّكِّ مِنْهُ فِيمَنْ حَدَّثَهُ بِهِ . قُلْت : وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْ مَرْوَان بْن شُجَاع سَوَاء , وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَحْمَد بْن مَنِيع مِثْل رِوَايَة الْبُخَارِيّ الْأُولَى بِغَيْرِ شَكٍّ , وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضًا عَنْ الْقَاسِم بْن زَكَرِيَّا عَنْ أَحْمَد بْن مَنِيع , وَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي " فَوَائِد أَبِي طَاهِر الْمُخْلِص " حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن صَاعِد حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنِيع .
قَوْله : ( عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر )
وَقَعَ فِي " مُسْنَد دَعْلَج " مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن الصَّبَاح " حَدَّثَنَا مَرْوَان بْن شُجَاع عَنْ سَالِم الْأَفْطَس أَظُنّهُ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر " كَذَا بِالشَّكِّ أَيْضًا , وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنْ يَعْتَرِض بِهَذَا أَيْضًا , وَالْحَقّ أَنَّهُ لَا أَثَر لِلشَّكِّ الْمَذْكُور , وَالْحَدِيث مُتَّصِل بِلَا رَيْب .
قَوْله : ( عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الشِّفَاء فِي ثَلَاث )
كَذَا أَوْرَدَهُ مَوْقُوفًا , لَكِنْ آخِره يُشْعِر بِأَنَّهُ مَرْفُوع لِقَوْلِهِ " وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيّ " وَقَوْله " رَفَعَ الْحَدِيث " وَقَدْ صَرَّحَ بِرَفْعِهِ فِي رِوَايَة سُرَيْج بْن يُونُس حَيْثُ قَالَ فِيهِ " عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرّ فِي إِيرَاد هَذِهِ الطَّرِيق أَيْضًا مَعَ نُزُولهَا , وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِهَا عَنْ الْأُولَى لِلتَّصْرِيحِ فِي الْأُولَى بِقَوْلِ مَرْوَان " حَدَّثَنِي سَالِم " وَوَقَعَتْ فِي الثَّانِيَة بِالْعَنْعَنَةِ .
قَوْله : ( رَوَاهُ الْقُمِّيّ )
بِضَمِّ الْقَاف وَتَشْدِيد الْمِيم هُوَ يَعْقُوب بْن عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن مَالِك بْن هَانِئ بْن عَامِر بْن أَبِي عَامِر الْأَشْعَرِيّ , لِجَدِّهِ أَبِي عَامِر صُحْبَة وَكُنْيَة يَعْقُوب أَبُو الْحَسَن وَهُوَ مِنْ أَهْل قُم وَنَزَلَ الرَّيّ , قَوَّاهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ , وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِع . وَلَيْث شَيْخه هُوَ اِبْن سُلَيْمٍ الْكُوفِيّ سَيِّئ الْحِفْظ . وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْحَدِيث مِنْ رِوَايَة الْقُمِّيّ مَوْصُولًا فِي " مُسْنَد الْبَزَّار " وَفِي " الْغَيْلَانِيَّات " فِي " جُزْء اِبْن بَخِيت " كُلّهمْ مِنْ رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز بْن الْخَطَّاب عَنْهُ بِهَذَا السَّنَد , وَقَصَّرَ بَعْض الشُّرَّاح فَنَسَبَهُ إِلَى تَخْرِيج أَبِي نُعَيْم فِي الطِّبّ , وَاَلَّذِي عِنْد أَبِي نُعَيْم بِهَذَا السَّنَد حَدِيث آخَر فِي الْحِجَامَة لَفْظه " اِحْتَجِمُوا لَا يَتَبَيَّغ بِكُمْ الدَّم فَيَقْتُلكُمْ " .
قَوْله : ( فِي الْعَسَل وَالْحَجْم )
فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " وَالْحِجَامَة " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز بْن الْخَطَّاب الْمَذْكُورَة " إِنْ كَانَ فِي شَيْء مِنْ أَدْوِيَتكُمْ شِفَاء فَفِي مَصَّة مِنْ الْحِجَام , أَوْ مَصَّة مِنْ الْعَسَل " وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيّ بِقَوْلِهِ " فِي الْعَسَل وَالْحَجْم " وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْكَيّ لَمْ يَقَع فِي هَذِهِ الرِّوَايَة . وَأَغْرَبَ الْحُمَيْدِيّ فِي " الْجَمْع " فَقَالَ فِي أَفْرَاد الْبُخَارِيّ : الْحَدِيث الْخَامِس عَشَر عَنْ طَاوُسٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ رِوَايَة مُجَاهِد عَنْهُ , قَالَ : وَبَعْض الرُّوَاة يَقُول فِيهِ عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي الْعَسَل وَالْحَجْم الشِّفَاء " وَهَذَا الَّذِي عَزَاهُ لِلْبُخَارِيّ لَمْ أَرَهُ فِيهِ أَصْلًا , بَلْ وَلَا فِي غَيْره , وَالْحَدِيث الَّذِي اِخْتَلَفَ الرُّوَاة فِيهِ هَلْ هُوَ عَنْ مُجَاهِد عَنْ طَاوُسٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَوْ عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس بِلَا وَاسِطَة إِنَّمَا هُوَ فِي الْقَبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا يُعَذَّبَانِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي كِتَاب الطَّهَارَة , وَأَمَّا حَدِيث الْبَاب فَلَمْ أَرَهُ مِنْ رِوَايَة طَاوُسٍ أَصْلًا , وَأَمَّا مُجَاهِد فَلَمْ يَذْكُرهُ الْبُخَارِيّ عَنْهُ إِلَّا تَعْلِيقًا كَمَا بَيَّنْته , وَقَدْ ذَكَرْت مَنْ وَصَلَهُ , وَسِيَاق لَفْظه : قَالَ الْخَطَّابِيُّ اِنْتَظَمَ هَذَا الْحَدِيث عَلَى جُمْلَة مَا يَتَدَاوَى بِهِ النَّاس , وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجْم يَسْتَفْرِغ الدَّم وَهُوَ أَعْظَم الْأَخْلَاط , وَالْحَجْم أَنْجَحهَا شِفَاء عِنْد هَيَجَان الدَّم , وَأَمَّا الْعَسَل فَهُوَ مُسَهِّل لِلْأَخْلَاطِ الْبَلْغَمِيَّة , وَيَدْخُل فِي الْمَعْجُونَات لِيَحْفَظ عَلَى تِلْكَ الْأَدْوِيَة قُوَاهَا وَيُخْرِجهَا مِنْ الْبَدَن , وَأَمَّا الْكَيّ فَإِنَّمَا يُسْتَعْمَل فِي الْخَلْط الْبَاغِي الَّذِي لَا تَنْحَسِم مَادَّته إِلَّا بِهِ , وَلِهَذَا وَصَفَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ , وَإِنَّمَا كَرِهَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَلَم الشَّدِيد وَالْخَطَر الْعَظِيم , وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَرَب تَقُول فِي أَمْثَالهَا " آخِر الدَّوَاء الْكَيّ " , وَقَدْ كَوَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْد بْن مُعَاذ وَغَيْره , وَاكْتَوَى غَيْر وَاحِد مِنْ الصَّحَابَة . قُلْت : وَلَمْ يُرِدْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَصْر فِي الثَّلَاثَة , فَإِنَّ الشِّفَاء قَدْ يَكُون فِي غَيْرهَا , وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهَا عَلَى أُصُول الْعِلَاج , وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَاض الِامْتِلَائِيَّة تَكُون دَمَوِيَّة وَصَفْرَاوِيَّة وَبَلْغَمِيَّة وَسَوْدَاوِيَّة , وَشِفَاء الدَّمَوِيَّة بِإِخْرَاجِ الدَّم , وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَجْم بِالذِّكْرِ لِكَثْرَةِ اِسْتِعْمَال الْعَرَب وَالْفَهْم لَهُ , بِخِلَافِ الْفَصْد فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْحَجْم لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا لَهَا غَالِبًا . عَلَى أَنَّ فِي التَّعْبِير بِقَوْلِهِ " شَرْطَة مِحْجَم " مَا قَدْ يَتَنَاوَل الْفَصْد , وَأَيْضًا فَالْحَجْم فِي الْبِلَاد الْحَارَّة أَنْجَح مِنْ الْفَصْد , وَالْفَصْد فِي الْبِلَاد الَّتِي لَيْسَتْ بِحَارَّةٍ أَنْجَحَ مِنْ الْحَجْم . وَأَمَّا الِامْتِلَاء الصَّفْرَاوِيّ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ فَدَوَاؤُهُ بِالْمُسَهِّلِ , وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْعَسَل , وَسَيَأْتِي تَوْجِيه ذَلِكَ فِي الْبَاب الَّذِي بَعْده . وَأَمَّا الْكَيّ فَإِنَّهُ يَقَع آخِرًا لِإِخْرَاجِ مَا يَتَعَسَّر إِخْرَاجه مِنْ الْفَضَلَات ; وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ مَعَ إثْبَاتِهِ الشِّفَاء فِيهِ إِمَّا لِكَوْنِهِمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَحْسِم الْمَادَّة بِطَبْعِهِ فَكَرِهَهُ لِذَلِكَ , وَلِذَلِكَ كَانُوا يُبَادِرُونَ إِلَيْهِ قَبْل حُصُول الدَّاء لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ يَحْسِم الدَّاء فَتَعَجَّلَ الَّذِي يَكْتَوِي التَّعْذِيب بِالنَّارِ لِأَمْرٍ مَظْنُون , وَقَدْ لَا يَتَّفِق أَنْ يَقَع لَهُ ذَلِكَ الْمَرَض الَّذِي يَقْطَعهُ الْكَيّ . وَيُؤْخَذ مِنْ الْجَمْع بَيْن كَرَاهَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْكَيِّ وَبَيْن اِسْتِعْمَاله لَهُ أَنَّهُ لَا يُتْرَك مُطْلَقًا وَلَا يُسْتَعْمَل مُطْلَقًا , بَلْ يُسْتَعْمَل عِنْد تَعَيُّنه طَرِيقًا إِلَى الشِّفَاء مَعَ مُصَاحَبَة اِعْتِقَاد أَنَّ الشِّفَاء بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى , وَعَلَى هَذَا التَّفْسِير يُحْمَل حَدِيث الْمُغِيرَة رَفَعَهُ " مَنْ اِكْتَوَى أَوْ اِسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنْ التَّوَكُّل " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم . وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة : عُلِمَ مِنْ مَجْمُوع كَلَامه فِي الْكَيّ أَنَّ فِيهِ نَفْعًا وَأَنَّ فِيهِ مَضَرَّة , فَلَمَّا نَهَى عَنْهُ عُلِمَ أَنَّ جَانِب الْمَضَرَّة فِيهِ أَغْلَب , وَقَرِيب مِنْهُ إِخْبَار اللَّه تَعَالَى أَنَّ فِي الْخَمْر مَنَافِع ثُمَّ حَرَّمَهَا لِأَنَّ الْمَضَارّ الَّتِي فِيهَا أَعْظَم مِنْ الْمَنَافِع . اِنْتَهَى مُلَخَّصًا . وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى كُلّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور الثَّلَاثَة فِي أَبْوَاب مُفْرَدَة لَهَا . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمُرَاد بِالشِّفَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيث الشِّفَاء مِنْ أَحَد قِسْمَيْ الْمَرَض , لِأَنَّ الْأَمْرَاض كُلّهَا إِمَّا مَادِّيَّة أَوْ غَيْرهَا ; وَالْمَادِّيَّة كَمَا تَقَدَّمَ حَارَّة وَبَارِدَة , وَكُلّ مِنْهُمَا وَإِنْ اِنْقَسَمَ إِلَى رَطْبَة وَيَابِسَة وَمُرَكَّبَة فَالْأَصْل الْحَرَارَة وَالْبُرُودَة وَمَا عَدَاهُمَا يَنْفَعِل مِنْ إِحْدَاهُمَا , فَنَبَّهَ بِالْخَبَرِ عَلَى أَصْل الْمُعَالَجَة بِضَرْبٍ مِنْ الْمِثَال , فَالْحَارَّة تُعَالَج بِإِخْرَاجِ الدَّم لِمَا فِيهِ مِنْ اِسْتِفْرَاغ الْمَادَّة وَتَبْرِيد الْمِزَاج , وَالْبَارِدَة بِتَنَاوُلِ الْعَسَل لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْخِين وَالْإِنْضَاج وَالتَّقْطِيع وَالتَّلْطِيف وَالْجَلَاء وَالتَّلْيِين , فَيَحْصُل بِذَلِكَ اِسْتِفْرَاغ الْمَادَّة بِرِفْقٍ , وَأَمَّا الْكَيّ فَخَاصّ بِالْمَرَضِ الْمُزْمِن لِأَنَّهُ يَكُون عَنْ مَادَّة بَارِدَة فَقَدْ تُفْسِد مِزَاج الْعُضْو فَإِذَا كُوِيَ خَرَجَتْ مِنْهُ , وَأَمَّا الْأَمْرَاض الَّتِي لَيْسَتْ بِمَادِّيَّةِ فَقَدْ أُشِيرَ إِلَى عِلَاجهَا بِحَدِيثِ " الْحُمَّى مِنْ فَيْح جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ " وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ عِنْد شَرْحه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَأَمَّا قَوْله " وَمَا أُحِبّ أَنْ أَكْتَوِي " فَهُوَ مِنْ جِنْس تَرْكه أَكْل الضَّبّ مَعَ تَقْرِيره أَكْله عَلَى مَائِدَته وَاعْتِذَاره بِأَنَّهُ يَعَافهُ .
حدثني الحسين حدثنا أحمد بن منيع حدثنا مروان بن شجاع حدثنا سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
الشفاء في ثلاثة شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنهى أمتي عن الكي
رفع الحديث ورواه القمي عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في العسل والحجم
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله : ( حَدَّثَنِي الْحُسَيْن )
كَذَا لَهُمْ غَيْر مَنْسُوب , وَجَزَمَ جَمَاعَة بِأَنَّهُ اِبْن مُحَمَّد بْن زِيَاد النَّيْسَابُورِيّ الْمَعْرُوف بِالْقَبَّانِيّ , قَالَ الْكَلَابَاذِيّ : كَانَ يُلَازِم الْبُخَارِيّ لَمَّا كَانَ بِنَيْسَابُور وَكَانَ عِنْده مُسْنَد أَحْمَد بْن مَنِيع سَمِعَهُ مِنْهُ يَعْنِي شَيْخه فِي هَذَا الْحَدِيث , وَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِم فِي تَارِيخه مِنْ طَرِيق الْحُسَيْن الْمَذْكُور أَنَّهُ رَوَى حَدِيثًا فَقَالَ : كَتَبَ عَنِّي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل هَذَا الْحَدِيث . وَرَأَيْت فِي كِتَاب بَعْض الطَّلَبَة قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ عَنِّي ا ه . وَقَدْ عَاشَ الْحُسَيْن الْقَبَّانِيّ بَعْد الْبُخَارِيّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَة وَكَانَ مِنْ أَقْرَان مُسْلِم , فَرِوَايَة الْبُخَارِيّ عَنْهُ مِنْ رِوَايَة الْأَكَابِر عَنْ الْأَصَاغِر . وَأَحْمَد بْن مَنِيع شَيْخ الْحُسَيْن فِيهِ مِنْ الطَّبَقَة الْوُسْطَى مِنْ شُيُوخ الْبُخَارِيّ , فَلَوْ رَوَاهُ عَنْهُ بِلَا وَاسِطَة لَمْ يَكُنْ عَالِيًا لَهُ . وَكَانَتْ وَفَاة أَحْمَد بْن مَنِيع - وَكُنْيَته أَبُو جَعْفَر - سَنَة أَرْبَع وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ أَرْبَع وَثَمَانُونَ سَنَة , وَاسْم جَدّه عَبْد الرَّحْمَن وَهُوَ جَدّ أَبِي الْقَاسِم الْبَغَوِيِّ لِأُمِّهِ , وَلِذَلِكَ يُقَال لَهُ الْمَنِيعِيّ وَابْن بِنْت مَنِيع , وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث , وَجَزَمَ الْحَاكِم بِأَنَّ الْحُسَيْن الْمَذْكُور هُوَ اِبْن يَحْيَى بْن جَعْفَر الْبِيكَنْدِيّ وَقَدْ أَكْثَرَ الْبُخَارِيّ الرِّوَايَة عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْن جَعْفَر وَهُوَ مِنْ صِغَار شُيُوخه , وَالْحُسَيْن أَصْغَر مِنْ الْبُخَارِيّ بِكَثِيرٍ , وَلَيْسَ فِي الْبُخَارِيّ عَنْ الْحُسَيْن سَوَاء كَانَ الْقَبَّانِيّ أَوْ الْبِيكَنْدِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث . وَقَوْل الْبُخَارِيّ بَعْد ذَلِكَ " حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحِيم " هُوَ الْمَعْرُوف بِصَاعِقَة يَكْنِي أَبَا يَحْيَى وَكَانَ مِنْ كِبَار الْحُفَّاظ وَهُوَ مِنْ أَصَاغِر شُيُوخ الْبُخَارِيّ وَمَاتَ قَبْل الْبُخَارِيّ بِسَنَةٍ وَاحِدَة وَسُرَيْج بْن يُونُس شَيْخه بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيم مِنْ طَبَقَة أَحْمَد بْن مَنِيع وَمَاتَ قَبْله بِعَشْرِ سِنِينَ , وَشَيْخهمَا مَرْوَان بْن شُجَاع هُوَ الْحَرَّانِيّ أَبُو عَمْرو , وَأَبُو عَبْد اللَّه مَوْلَى مُحَمَّد بْن مَرْوَان بْن الْحَكَم نَزَلَ بَغْدَاد وَقَوَّاهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَغَيْره , وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ : يُكْتَب حَدِيثه وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ , وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث وَآخَر تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَات , وَلَمْ يَتَّفِق وُقُوع هَذَا الْحَدِيث لِلْبُخَارِيِّ عَالِيًا , فَإِنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَصْحَاب مَرْوَان بْن شُجَاع هَذَا وَلَمْ يَقَع لَهُ هَذَا الْحَدِيث عَنْهُ إِلَّا بِوَاسِطَتَيْنِ , وَشَيْخه سَالِم الْأَفْطَس هُوَ اِبْن عَجْلَان وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ رِوَايَة مَرْوَان بْن شُجَاع عَنْهُ .
قَوْله : ( حَدَّثَنِي سَالِم الْأَفْطَس )
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَنْ سَالِم وَقَعَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ " عَنْ الْمَنِيعِيّ حَدَّثَنَا جَدِّي هُوَ أَحْمَد بْن مَنِيع حَدَّثَنَا مَرْوَان بْن شُجَاع قَالَ مَا أَحْفَظهُ إِلَّا عَنْ سَالِم الْأَفْطَس حَدَّثَنِي " فَذَكَرَهُ , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : صَارَ الْحَدِيث عَنْ مَرْوَان بْن شُجَاع بِالشَّكِّ مِنْهُ فِيمَنْ حَدَّثَهُ بِهِ . قُلْت : وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْ مَرْوَان بْن شُجَاع سَوَاء , وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَحْمَد بْن مَنِيع مِثْل رِوَايَة الْبُخَارِيّ الْأُولَى بِغَيْرِ شَكٍّ , وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضًا عَنْ الْقَاسِم بْن زَكَرِيَّا عَنْ أَحْمَد بْن مَنِيع , وَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي " فَوَائِد أَبِي طَاهِر الْمُخْلِص " حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن صَاعِد حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنِيع .
قَوْله : ( عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر )
وَقَعَ فِي " مُسْنَد دَعْلَج " مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن الصَّبَاح " حَدَّثَنَا مَرْوَان بْن شُجَاع عَنْ سَالِم الْأَفْطَس أَظُنّهُ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر " كَذَا بِالشَّكِّ أَيْضًا , وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنْ يَعْتَرِض بِهَذَا أَيْضًا , وَالْحَقّ أَنَّهُ لَا أَثَر لِلشَّكِّ الْمَذْكُور , وَالْحَدِيث مُتَّصِل بِلَا رَيْب .
قَوْله : ( عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الشِّفَاء فِي ثَلَاث )
كَذَا أَوْرَدَهُ مَوْقُوفًا , لَكِنْ آخِره يُشْعِر بِأَنَّهُ مَرْفُوع لِقَوْلِهِ " وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيّ " وَقَوْله " رَفَعَ الْحَدِيث " وَقَدْ صَرَّحَ بِرَفْعِهِ فِي رِوَايَة سُرَيْج بْن يُونُس حَيْثُ قَالَ فِيهِ " عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرّ فِي إِيرَاد هَذِهِ الطَّرِيق أَيْضًا مَعَ نُزُولهَا , وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِهَا عَنْ الْأُولَى لِلتَّصْرِيحِ فِي الْأُولَى بِقَوْلِ مَرْوَان " حَدَّثَنِي سَالِم " وَوَقَعَتْ فِي الثَّانِيَة بِالْعَنْعَنَةِ .
قَوْله : ( رَوَاهُ الْقُمِّيّ )
بِضَمِّ الْقَاف وَتَشْدِيد الْمِيم هُوَ يَعْقُوب بْن عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن مَالِك بْن هَانِئ بْن عَامِر بْن أَبِي عَامِر الْأَشْعَرِيّ , لِجَدِّهِ أَبِي عَامِر صُحْبَة وَكُنْيَة يَعْقُوب أَبُو الْحَسَن وَهُوَ مِنْ أَهْل قُم وَنَزَلَ الرَّيّ , قَوَّاهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ , وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِع . وَلَيْث شَيْخه هُوَ اِبْن سُلَيْمٍ الْكُوفِيّ سَيِّئ الْحِفْظ . وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْحَدِيث مِنْ رِوَايَة الْقُمِّيّ مَوْصُولًا فِي " مُسْنَد الْبَزَّار " وَفِي " الْغَيْلَانِيَّات " فِي " جُزْء اِبْن بَخِيت " كُلّهمْ مِنْ رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز بْن الْخَطَّاب عَنْهُ بِهَذَا السَّنَد , وَقَصَّرَ بَعْض الشُّرَّاح فَنَسَبَهُ إِلَى تَخْرِيج أَبِي نُعَيْم فِي الطِّبّ , وَاَلَّذِي عِنْد أَبِي نُعَيْم بِهَذَا السَّنَد حَدِيث آخَر فِي الْحِجَامَة لَفْظه " اِحْتَجِمُوا لَا يَتَبَيَّغ بِكُمْ الدَّم فَيَقْتُلكُمْ " .
قَوْله : ( فِي الْعَسَل وَالْحَجْم )
فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " وَالْحِجَامَة " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز بْن الْخَطَّاب الْمَذْكُورَة " إِنْ كَانَ فِي شَيْء مِنْ أَدْوِيَتكُمْ شِفَاء فَفِي مَصَّة مِنْ الْحِجَام , أَوْ مَصَّة مِنْ الْعَسَل " وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيّ بِقَوْلِهِ " فِي الْعَسَل وَالْحَجْم " وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْكَيّ لَمْ يَقَع فِي هَذِهِ الرِّوَايَة . وَأَغْرَبَ الْحُمَيْدِيّ فِي " الْجَمْع " فَقَالَ فِي أَفْرَاد الْبُخَارِيّ : الْحَدِيث الْخَامِس عَشَر عَنْ طَاوُسٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ رِوَايَة مُجَاهِد عَنْهُ , قَالَ : وَبَعْض الرُّوَاة يَقُول فِيهِ عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي الْعَسَل وَالْحَجْم الشِّفَاء " وَهَذَا الَّذِي عَزَاهُ لِلْبُخَارِيّ لَمْ أَرَهُ فِيهِ أَصْلًا , بَلْ وَلَا فِي غَيْره , وَالْحَدِيث الَّذِي اِخْتَلَفَ الرُّوَاة فِيهِ هَلْ هُوَ عَنْ مُجَاهِد عَنْ طَاوُسٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَوْ عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس بِلَا وَاسِطَة إِنَّمَا هُوَ فِي الْقَبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا يُعَذَّبَانِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي كِتَاب الطَّهَارَة , وَأَمَّا حَدِيث الْبَاب فَلَمْ أَرَهُ مِنْ رِوَايَة طَاوُسٍ أَصْلًا , وَأَمَّا مُجَاهِد فَلَمْ يَذْكُرهُ الْبُخَارِيّ عَنْهُ إِلَّا تَعْلِيقًا كَمَا بَيَّنْته , وَقَدْ ذَكَرْت مَنْ وَصَلَهُ , وَسِيَاق لَفْظه : قَالَ الْخَطَّابِيُّ اِنْتَظَمَ هَذَا الْحَدِيث عَلَى جُمْلَة مَا يَتَدَاوَى بِهِ النَّاس , وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجْم يَسْتَفْرِغ الدَّم وَهُوَ أَعْظَم الْأَخْلَاط , وَالْحَجْم أَنْجَحهَا شِفَاء عِنْد هَيَجَان الدَّم , وَأَمَّا الْعَسَل فَهُوَ مُسَهِّل لِلْأَخْلَاطِ الْبَلْغَمِيَّة , وَيَدْخُل فِي الْمَعْجُونَات لِيَحْفَظ عَلَى تِلْكَ الْأَدْوِيَة قُوَاهَا وَيُخْرِجهَا مِنْ الْبَدَن , وَأَمَّا الْكَيّ فَإِنَّمَا يُسْتَعْمَل فِي الْخَلْط الْبَاغِي الَّذِي لَا تَنْحَسِم مَادَّته إِلَّا بِهِ , وَلِهَذَا وَصَفَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ , وَإِنَّمَا كَرِهَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَلَم الشَّدِيد وَالْخَطَر الْعَظِيم , وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَرَب تَقُول فِي أَمْثَالهَا " آخِر الدَّوَاء الْكَيّ " , وَقَدْ كَوَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْد بْن مُعَاذ وَغَيْره , وَاكْتَوَى غَيْر وَاحِد مِنْ الصَّحَابَة . قُلْت : وَلَمْ يُرِدْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَصْر فِي الثَّلَاثَة , فَإِنَّ الشِّفَاء قَدْ يَكُون فِي غَيْرهَا , وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهَا عَلَى أُصُول الْعِلَاج , وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَاض الِامْتِلَائِيَّة تَكُون دَمَوِيَّة وَصَفْرَاوِيَّة وَبَلْغَمِيَّة وَسَوْدَاوِيَّة , وَشِفَاء الدَّمَوِيَّة بِإِخْرَاجِ الدَّم , وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَجْم بِالذِّكْرِ لِكَثْرَةِ اِسْتِعْمَال الْعَرَب وَالْفَهْم لَهُ , بِخِلَافِ الْفَصْد فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْحَجْم لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا لَهَا غَالِبًا . عَلَى أَنَّ فِي التَّعْبِير بِقَوْلِهِ " شَرْطَة مِحْجَم " مَا قَدْ يَتَنَاوَل الْفَصْد , وَأَيْضًا فَالْحَجْم فِي الْبِلَاد الْحَارَّة أَنْجَح مِنْ الْفَصْد , وَالْفَصْد فِي الْبِلَاد الَّتِي لَيْسَتْ بِحَارَّةٍ أَنْجَحَ مِنْ الْحَجْم . وَأَمَّا الِامْتِلَاء الصَّفْرَاوِيّ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ فَدَوَاؤُهُ بِالْمُسَهِّلِ , وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْعَسَل , وَسَيَأْتِي تَوْجِيه ذَلِكَ فِي الْبَاب الَّذِي بَعْده . وَأَمَّا الْكَيّ فَإِنَّهُ يَقَع آخِرًا لِإِخْرَاجِ مَا يَتَعَسَّر إِخْرَاجه مِنْ الْفَضَلَات ; وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ مَعَ إثْبَاتِهِ الشِّفَاء فِيهِ إِمَّا لِكَوْنِهِمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَحْسِم الْمَادَّة بِطَبْعِهِ فَكَرِهَهُ لِذَلِكَ , وَلِذَلِكَ كَانُوا يُبَادِرُونَ إِلَيْهِ قَبْل حُصُول الدَّاء لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ يَحْسِم الدَّاء فَتَعَجَّلَ الَّذِي يَكْتَوِي التَّعْذِيب بِالنَّارِ لِأَمْرٍ مَظْنُون , وَقَدْ لَا يَتَّفِق أَنْ يَقَع لَهُ ذَلِكَ الْمَرَض الَّذِي يَقْطَعهُ الْكَيّ . وَيُؤْخَذ مِنْ الْجَمْع بَيْن كَرَاهَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْكَيِّ وَبَيْن اِسْتِعْمَاله لَهُ أَنَّهُ لَا يُتْرَك مُطْلَقًا وَلَا يُسْتَعْمَل مُطْلَقًا , بَلْ يُسْتَعْمَل عِنْد تَعَيُّنه طَرِيقًا إِلَى الشِّفَاء مَعَ مُصَاحَبَة اِعْتِقَاد أَنَّ الشِّفَاء بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى , وَعَلَى هَذَا التَّفْسِير يُحْمَل حَدِيث الْمُغِيرَة رَفَعَهُ " مَنْ اِكْتَوَى أَوْ اِسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنْ التَّوَكُّل " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم . وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة : عُلِمَ مِنْ مَجْمُوع كَلَامه فِي الْكَيّ أَنَّ فِيهِ نَفْعًا وَأَنَّ فِيهِ مَضَرَّة , فَلَمَّا نَهَى عَنْهُ عُلِمَ أَنَّ جَانِب الْمَضَرَّة فِيهِ أَغْلَب , وَقَرِيب مِنْهُ إِخْبَار اللَّه تَعَالَى أَنَّ فِي الْخَمْر مَنَافِع ثُمَّ حَرَّمَهَا لِأَنَّ الْمَضَارّ الَّتِي فِيهَا أَعْظَم مِنْ الْمَنَافِع . اِنْتَهَى مُلَخَّصًا . وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى كُلّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور الثَّلَاثَة فِي أَبْوَاب مُفْرَدَة لَهَا . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمُرَاد بِالشِّفَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيث الشِّفَاء مِنْ أَحَد قِسْمَيْ الْمَرَض , لِأَنَّ الْأَمْرَاض كُلّهَا إِمَّا مَادِّيَّة أَوْ غَيْرهَا ; وَالْمَادِّيَّة كَمَا تَقَدَّمَ حَارَّة وَبَارِدَة , وَكُلّ مِنْهُمَا وَإِنْ اِنْقَسَمَ إِلَى رَطْبَة وَيَابِسَة وَمُرَكَّبَة فَالْأَصْل الْحَرَارَة وَالْبُرُودَة وَمَا عَدَاهُمَا يَنْفَعِل مِنْ إِحْدَاهُمَا , فَنَبَّهَ بِالْخَبَرِ عَلَى أَصْل الْمُعَالَجَة بِضَرْبٍ مِنْ الْمِثَال , فَالْحَارَّة تُعَالَج بِإِخْرَاجِ الدَّم لِمَا فِيهِ مِنْ اِسْتِفْرَاغ الْمَادَّة وَتَبْرِيد الْمِزَاج , وَالْبَارِدَة بِتَنَاوُلِ الْعَسَل لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْخِين وَالْإِنْضَاج وَالتَّقْطِيع وَالتَّلْطِيف وَالْجَلَاء وَالتَّلْيِين , فَيَحْصُل بِذَلِكَ اِسْتِفْرَاغ الْمَادَّة بِرِفْقٍ , وَأَمَّا الْكَيّ فَخَاصّ بِالْمَرَضِ الْمُزْمِن لِأَنَّهُ يَكُون عَنْ مَادَّة بَارِدَة فَقَدْ تُفْسِد مِزَاج الْعُضْو فَإِذَا كُوِيَ خَرَجَتْ مِنْهُ , وَأَمَّا الْأَمْرَاض الَّتِي لَيْسَتْ بِمَادِّيَّةِ فَقَدْ أُشِيرَ إِلَى عِلَاجهَا بِحَدِيثِ " الْحُمَّى مِنْ فَيْح جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ " وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ عِنْد شَرْحه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَأَمَّا قَوْله " وَمَا أُحِبّ أَنْ أَكْتَوِي " فَهُوَ مِنْ جِنْس تَرْكه أَكْل الضَّبّ مَعَ تَقْرِيره أَكْله عَلَى مَائِدَته وَاعْتِذَاره بِأَنَّهُ يَعَافهُ .
- تاريخ التسجيل : 01/01/1970
التشاجيح :: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى