إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم
التشاجيح :: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
صفحة 1 من اصل 1
إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم
إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم
حدثنا عاصم بن علي حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله : ( إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْعُطَاس )
تَقَدَّمَ شَرْحه قَرِيبًا .
قَوْله : ( وَأَمَّا التَّثَاؤُب فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَان )
قَالَ اِبْن بَطَّال إِضَافَة التَّثَاؤُب إِلَى الشَّيْطَان بِمَعْنَى إِضَافَة الرِّضَا وَالْإِرَادَة , أَيْ أَنَّ الشَّيْطَان يُحِبّ أَنْ يَرَى الْإِنْسَان مُتَثَائِبًا لِأَنَّهَا حَالَة تَتَغَيَّر فِيهَا صُورَته فَيَضْحَك مِنْهُ . لَا أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الشَّيْطَان فَعَلَ التَّثَاؤُب . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلّ فِعْل مَكْرُوه نَسَبَهُ الشَّرْع إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ وَاسِطَته , وَأَنَّ كُلّ فِعْل حَسَن نَسَبَهُ الشَّرْع إِلَى الْمَلَك لِأَنَّهُ وَاسِطَته , قَالَ : وَالتَّثَاؤُب مِنْ الِامْتِلَاء وَيَنْشَأ عَنْهُ التَّكَاسُل وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الشَّيْطَان , وَالْعُطَاس مِنْ تَقْلِيل الْغِذَاء وَيَنْشَأ عَنْهُ النَّشَاط وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَك . وَقَالَ النَّوَوِيّ : أُضِيفَ التَّثَاؤُب إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الشَّهَوَات إِذْ يَكُون عَنْ ثِقَل الْبَدَن وَاسْتِرْخَائِهِ وَامْتِلَائِهِ , وَالْمُرَاد التَّحْذِير مِنْ السَّبَب الَّذِي يَتَوَلَّد مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوَسُّع فِي الْمَأْكَل .
قَوْله : ( فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اِسْتَطَاعَ )
أَيْ يَأْخُذ فِي أَسْبَاب رَدِّهِ , وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهِ أَنَّهُ يَمْلِك دَفْعه لِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ لَا يُرَدّ حَقِيقَة , وَقِيلَ مَعْنَى إِذَا تَثَاءَبَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَثَاءَب , وَجَوَّزَ الْكَرْمَانِيُّ أَنْ يَكُون الْمَاضِي فِيهِ بِمَعْنَى الْمُضَارِع .
قَوْله : ( فَإِنَّ أَحَدكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَان )
فِي رِوَايَة اِبْن عَجْلَانَ " فَإِذَا قَالَ آهْ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَان " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " فَإِنَّ الشَّيْطَان يَدْخُل " وَفِي لَفْظ لَهُ " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدكُمْ فِي الصَّلَاة فَلْيَكْظِمْ مَا اِسْتَطَاعَ فَإِنَّ الشَّيْطَان يَدْخُل " هَكَذَا قَيَّدَهُ بِحَالَةِ الصَّلَاة , وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيق الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " التَّثَاؤُب فِي الصَّلَاة مِنْ الشَّيْطَان فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اِسْتَطَاعَ " وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن عَجْلَانَ عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْوه , وَرَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدكُمْ فَلْيَضَعْ يَده عَلَى فِيهِ وَلَا يَعْوِي , فَإِنَّ الشَّيْطَان يَضْحَك مِنْهُ " قَالَ شَيْخنَا فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : أَكْثَر رِوَايَات الصَّحِيحَيْنِ فِيهَا إِطْلَاق التَّثَاؤُب , وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى تَقْيِيده بِحَالَةِ الصَّلَاة فَيَحْتَمِل أَنْ يُحْمَل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد , وَلِلشَّيْطَانِ غَرَض قَوِيّ فِي التَّشْوِيش عَلَى الْمُصَلِّي فِي صَلَاته , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون كَرَاهَته فِي الصَّلَاة أَشَدَّ , وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يُكْرَه فِي غَيْر حَالَة الصَّلَاة . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ الْمُطْلَق إِنَّمَا يُحْمَل عَلَى الْمُقَيَّد فِي الْأَمْر لَا فِي النَّهْي , وَيُؤَيِّد كَرَاهَته مُطْلَقًا كَوْنه مِنْ الشَّيْطَان , وَبِذَلِكَ صَرَّحَ النَّوَوِيّ , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : يَنْبَغِي كَظْم التَّثَاؤُب فِي كُلّ حَالَة , وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّلَاة لِأَنَّهَا أَوْلَى الْأَحْوَال بِدَفْعِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوج عَنْ اِعْتِدَال الْهَيْئَة وَاعْوِجَاج الْخِلْقَة . وَأَمَّا قَوْله فِي رِوَايَة أَبِي سَعِيد فِي اِبْن مَاجَهْ " وَلَا يَعْوِي " فَإِنَّهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة , شَبَّهَ التَّثَاؤُب الَّذِي يَسْتَرْسِل مَعَهُ بِعُوَاءِ الْكَلْب تَنْفِيرًا عَنْهُ وَاسْتِقْبَاحًا لَهُ فَإِنَّ الْكَلْب يَرْفَع رَأْسه وَيَفْتَح فَاهُ وَيَعْوِي , وَالْمُتَثَائِب إِذَا أَفْرَطَ فِي التَّثَاؤُب شَابَهَهُ . وَمِنْ هُنَا تَظْهَر النُّكْتَة فِي كَوْنه يَضْحَك مِنْهُ , لِأَنَّهُ صَيَّرَهُ مَلْعَبَة لَهُ بِتَشْوِيهِ خَلْقه فِي تِلْكَ الْحَالَة . وَأَمَّا قَوْله فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَإِنَّ الشَّيْطَان يَدْخُل " فَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِهِ الدُّخُول حَقِيقَة , وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَان مَجْرَى الدَّم لَكِنَّهُ لَا يَتَمَكَّن مِنْهُ مَا دَامَ ذَاكِرًا لِلَّهِ تَعَالَى , وَالْمُتَثَائِب فِي تِلْكَ الْحَالَة غَيْر ذَاكِر فَيَتَمَكَّن الشَّيْطَان مِنْ الدُّخُول فِيهِ حَقِيقَة . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَطْلَقَ الدُّخُول وَأَرَادَ التَّمَكُّن مِنْهُ ; لِأَنَّ مِنْ شَأْن مَنْ دَخَلَ فِي شَيْء أَنْ يَكُون مُتَمَكِّنًا مِنْهُ . وَأَمَّا الْأَمْر بِوَضْعِ الْيَد عَلَى الْفَم فَيَتَنَاوَل مَا إِذَا اِنْفَتَحَ بِالتَّثَاؤُبِ فَيُغَطَّى بِالْكَفِّ وَنَحْوه وَمَا إِذَا كَانَ مُنْطَبِقًا حِفْظًا لَهُ عَنْ الِانْفِتَاح بِسَبَبِ ذَلِكَ . وَفِي مَعْنَى وَضْع الْيَد عَلَى الْفَم وَضْع الثَّوْب وَنَحْوه مِمَّا يَحْصُل ذَلِكَ الْمَقْصُود , وَإِنَّمَا تَتَعَيَّن الْيَد إِذَا لَمْ يَرْتَدّ التَّثَاؤُب بِدُونِهَا , وَلَا فَرْق فِي هَذَا الْأَمْر بَيْنَ الْمُصَلِّي وَغَيْره , بَلْ يَتَأَكَّد فِي حَال الصَّلَاة كَمَا تَقَدَّمَ وَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ النَّهْي عَنْ وَضْع الْمُصَلِّي يَده عَلَى فَمه . وَمِمَّا يُؤْمَر بِهِ الْمُتَثَائِب إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاة أَنْ يُمْسِك عَنْ الْقِرَاءَة حَتَّى يَذْهَب عَنْهُ لِئَلَّا يَتَغَيَّر نَظْم قِرَاءَته , وَأَسْنَدَ اِبْن أَبِي شَيْبَة نَحْو ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالتَّابِعِينَ الْمَشْهُورِينَ , وَمَنْ الْخَصَائِص النَّبَوِيَّة مَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة وَالْبُخَارِيّ فِي " التَّارِيخ " مِنْ مُرْسَل يَزِيد بْن الْأَصَمّ قَالَ " مَا تَثَاءَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ " وَأَخْرَجَ الْخَطَّابِيُّ مِنْ طَرِيق مَسْلَمَةَ بْن عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان قَالَ " مَا تَثَاءَبَ نَبِيّ قَطُّ " وَمَسْلَمَة أَدْرَكَ بَعْض الصَّحَابَة وَهُوَ صَدُوق . وَيُؤَيِّد ذَلِكَ مَا ثَبَتَ أَنَّ التَّثَاؤُب مِنْ الشَّيْطَان . وَوَقَعَ فِي " الشِّفَاء لِابْنِ سَبْع " أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَمَطَّى , لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَان , وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
( خَاتِمَة ) :
اِشْتَمَلَ كِتَاب الْأَدَب مِنْ الْأَحَادِيث الْمَرْفُوعَة عَلَى مِائَتَيْنِ وَسِتَّة وَخَمْسِينَ حَدِيثًا , الْمُعَلَّق مِنْهَا خَمْسَة وَسَبْعُونَ وَالْبَقِيَّة مَوْصُولَة . الْمُكَرَّر مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى مِائَتَا حَدِيث وَحَدِيث , وَافَقَهُ مُسْلِم عَلَى تَخْرِيجهَا سِوَى حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فِي عُقُوق الْوَالِدَيْنِ , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَط لَهُ فِي رِزْقه " , وَحَدِيث " الرَّحِم شُجْنَة " , وَحَدِيث اِبْن عَمْرو " لَيْسَ الْوَاصِل بِالْمُكَافِئِ " , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " قَامَ أَعْرَابِيّ فَقَالَ اللَّهُمَّ اِرْحَمْنَا " , وَحَدِيث أَبِي شُرَيْحٍ " مَنْ لَا يَأْمَن جَاره " وَحَدِيث جَابِر " كُلّ مَعْرُوف صَدَقَة " , وَحَدِيث أَنَس " لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا " , وَحَدِيث عَائِشَة " مَا أَظُنّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ دِيننَا " , وَحَدِيث أَنَس " إِنْ كَانَتْ الْأَمَة " وَحَدِيث حُذَيْفَة " أَنَّ أَشْبَهَ النَّاس دَلًّا وَسَمْتًا " , وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود " إِنَّ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَاب اللَّه " وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " إِذَا قَالَ الرَّجُل يَا كَافِر " , وَحَدِيث اِبْن عُمَر فِيهِ , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " لَا تَغْضَب " , وَحَدِيث اِبْن عُمَر " لَأَنْ يَمْتَلِئ " وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي اِبْن صَيَّاد , وَحَدِيث سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِيهِ فِي اِسْم الْحَزْن , وَحَدِيث اِبْن أَبِي أَوْفَى فِي إِبْرَاهِيم اِبْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِيهِ مِنْ الْآثَار عَنْ الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدهمْ أَحَد عَشَرَ أَثَرًا بَعْضهَا مَوْصُول وَبَعْضهَا مُعَلَّق . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
حدثنا عاصم بن علي حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله : ( إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْعُطَاس )
تَقَدَّمَ شَرْحه قَرِيبًا .
قَوْله : ( وَأَمَّا التَّثَاؤُب فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَان )
قَالَ اِبْن بَطَّال إِضَافَة التَّثَاؤُب إِلَى الشَّيْطَان بِمَعْنَى إِضَافَة الرِّضَا وَالْإِرَادَة , أَيْ أَنَّ الشَّيْطَان يُحِبّ أَنْ يَرَى الْإِنْسَان مُتَثَائِبًا لِأَنَّهَا حَالَة تَتَغَيَّر فِيهَا صُورَته فَيَضْحَك مِنْهُ . لَا أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الشَّيْطَان فَعَلَ التَّثَاؤُب . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلّ فِعْل مَكْرُوه نَسَبَهُ الشَّرْع إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ وَاسِطَته , وَأَنَّ كُلّ فِعْل حَسَن نَسَبَهُ الشَّرْع إِلَى الْمَلَك لِأَنَّهُ وَاسِطَته , قَالَ : وَالتَّثَاؤُب مِنْ الِامْتِلَاء وَيَنْشَأ عَنْهُ التَّكَاسُل وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الشَّيْطَان , وَالْعُطَاس مِنْ تَقْلِيل الْغِذَاء وَيَنْشَأ عَنْهُ النَّشَاط وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَك . وَقَالَ النَّوَوِيّ : أُضِيفَ التَّثَاؤُب إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الشَّهَوَات إِذْ يَكُون عَنْ ثِقَل الْبَدَن وَاسْتِرْخَائِهِ وَامْتِلَائِهِ , وَالْمُرَاد التَّحْذِير مِنْ السَّبَب الَّذِي يَتَوَلَّد مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوَسُّع فِي الْمَأْكَل .
قَوْله : ( فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اِسْتَطَاعَ )
أَيْ يَأْخُذ فِي أَسْبَاب رَدِّهِ , وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهِ أَنَّهُ يَمْلِك دَفْعه لِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ لَا يُرَدّ حَقِيقَة , وَقِيلَ مَعْنَى إِذَا تَثَاءَبَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَثَاءَب , وَجَوَّزَ الْكَرْمَانِيُّ أَنْ يَكُون الْمَاضِي فِيهِ بِمَعْنَى الْمُضَارِع .
قَوْله : ( فَإِنَّ أَحَدكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَان )
فِي رِوَايَة اِبْن عَجْلَانَ " فَإِذَا قَالَ آهْ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَان " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " فَإِنَّ الشَّيْطَان يَدْخُل " وَفِي لَفْظ لَهُ " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدكُمْ فِي الصَّلَاة فَلْيَكْظِمْ مَا اِسْتَطَاعَ فَإِنَّ الشَّيْطَان يَدْخُل " هَكَذَا قَيَّدَهُ بِحَالَةِ الصَّلَاة , وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيق الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " التَّثَاؤُب فِي الصَّلَاة مِنْ الشَّيْطَان فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اِسْتَطَاعَ " وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن عَجْلَانَ عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْوه , وَرَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ " إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدكُمْ فَلْيَضَعْ يَده عَلَى فِيهِ وَلَا يَعْوِي , فَإِنَّ الشَّيْطَان يَضْحَك مِنْهُ " قَالَ شَيْخنَا فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : أَكْثَر رِوَايَات الصَّحِيحَيْنِ فِيهَا إِطْلَاق التَّثَاؤُب , وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى تَقْيِيده بِحَالَةِ الصَّلَاة فَيَحْتَمِل أَنْ يُحْمَل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد , وَلِلشَّيْطَانِ غَرَض قَوِيّ فِي التَّشْوِيش عَلَى الْمُصَلِّي فِي صَلَاته , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون كَرَاهَته فِي الصَّلَاة أَشَدَّ , وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يُكْرَه فِي غَيْر حَالَة الصَّلَاة . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ الْمُطْلَق إِنَّمَا يُحْمَل عَلَى الْمُقَيَّد فِي الْأَمْر لَا فِي النَّهْي , وَيُؤَيِّد كَرَاهَته مُطْلَقًا كَوْنه مِنْ الشَّيْطَان , وَبِذَلِكَ صَرَّحَ النَّوَوِيّ , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : يَنْبَغِي كَظْم التَّثَاؤُب فِي كُلّ حَالَة , وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّلَاة لِأَنَّهَا أَوْلَى الْأَحْوَال بِدَفْعِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوج عَنْ اِعْتِدَال الْهَيْئَة وَاعْوِجَاج الْخِلْقَة . وَأَمَّا قَوْله فِي رِوَايَة أَبِي سَعِيد فِي اِبْن مَاجَهْ " وَلَا يَعْوِي " فَإِنَّهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة , شَبَّهَ التَّثَاؤُب الَّذِي يَسْتَرْسِل مَعَهُ بِعُوَاءِ الْكَلْب تَنْفِيرًا عَنْهُ وَاسْتِقْبَاحًا لَهُ فَإِنَّ الْكَلْب يَرْفَع رَأْسه وَيَفْتَح فَاهُ وَيَعْوِي , وَالْمُتَثَائِب إِذَا أَفْرَطَ فِي التَّثَاؤُب شَابَهَهُ . وَمِنْ هُنَا تَظْهَر النُّكْتَة فِي كَوْنه يَضْحَك مِنْهُ , لِأَنَّهُ صَيَّرَهُ مَلْعَبَة لَهُ بِتَشْوِيهِ خَلْقه فِي تِلْكَ الْحَالَة . وَأَمَّا قَوْله فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَإِنَّ الشَّيْطَان يَدْخُل " فَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِهِ الدُّخُول حَقِيقَة , وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَان مَجْرَى الدَّم لَكِنَّهُ لَا يَتَمَكَّن مِنْهُ مَا دَامَ ذَاكِرًا لِلَّهِ تَعَالَى , وَالْمُتَثَائِب فِي تِلْكَ الْحَالَة غَيْر ذَاكِر فَيَتَمَكَّن الشَّيْطَان مِنْ الدُّخُول فِيهِ حَقِيقَة . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَطْلَقَ الدُّخُول وَأَرَادَ التَّمَكُّن مِنْهُ ; لِأَنَّ مِنْ شَأْن مَنْ دَخَلَ فِي شَيْء أَنْ يَكُون مُتَمَكِّنًا مِنْهُ . وَأَمَّا الْأَمْر بِوَضْعِ الْيَد عَلَى الْفَم فَيَتَنَاوَل مَا إِذَا اِنْفَتَحَ بِالتَّثَاؤُبِ فَيُغَطَّى بِالْكَفِّ وَنَحْوه وَمَا إِذَا كَانَ مُنْطَبِقًا حِفْظًا لَهُ عَنْ الِانْفِتَاح بِسَبَبِ ذَلِكَ . وَفِي مَعْنَى وَضْع الْيَد عَلَى الْفَم وَضْع الثَّوْب وَنَحْوه مِمَّا يَحْصُل ذَلِكَ الْمَقْصُود , وَإِنَّمَا تَتَعَيَّن الْيَد إِذَا لَمْ يَرْتَدّ التَّثَاؤُب بِدُونِهَا , وَلَا فَرْق فِي هَذَا الْأَمْر بَيْنَ الْمُصَلِّي وَغَيْره , بَلْ يَتَأَكَّد فِي حَال الصَّلَاة كَمَا تَقَدَّمَ وَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ النَّهْي عَنْ وَضْع الْمُصَلِّي يَده عَلَى فَمه . وَمِمَّا يُؤْمَر بِهِ الْمُتَثَائِب إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاة أَنْ يُمْسِك عَنْ الْقِرَاءَة حَتَّى يَذْهَب عَنْهُ لِئَلَّا يَتَغَيَّر نَظْم قِرَاءَته , وَأَسْنَدَ اِبْن أَبِي شَيْبَة نَحْو ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالتَّابِعِينَ الْمَشْهُورِينَ , وَمَنْ الْخَصَائِص النَّبَوِيَّة مَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة وَالْبُخَارِيّ فِي " التَّارِيخ " مِنْ مُرْسَل يَزِيد بْن الْأَصَمّ قَالَ " مَا تَثَاءَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ " وَأَخْرَجَ الْخَطَّابِيُّ مِنْ طَرِيق مَسْلَمَةَ بْن عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان قَالَ " مَا تَثَاءَبَ نَبِيّ قَطُّ " وَمَسْلَمَة أَدْرَكَ بَعْض الصَّحَابَة وَهُوَ صَدُوق . وَيُؤَيِّد ذَلِكَ مَا ثَبَتَ أَنَّ التَّثَاؤُب مِنْ الشَّيْطَان . وَوَقَعَ فِي " الشِّفَاء لِابْنِ سَبْع " أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَمَطَّى , لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَان , وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
( خَاتِمَة ) :
اِشْتَمَلَ كِتَاب الْأَدَب مِنْ الْأَحَادِيث الْمَرْفُوعَة عَلَى مِائَتَيْنِ وَسِتَّة وَخَمْسِينَ حَدِيثًا , الْمُعَلَّق مِنْهَا خَمْسَة وَسَبْعُونَ وَالْبَقِيَّة مَوْصُولَة . الْمُكَرَّر مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى مِائَتَا حَدِيث وَحَدِيث , وَافَقَهُ مُسْلِم عَلَى تَخْرِيجهَا سِوَى حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فِي عُقُوق الْوَالِدَيْنِ , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَط لَهُ فِي رِزْقه " , وَحَدِيث " الرَّحِم شُجْنَة " , وَحَدِيث اِبْن عَمْرو " لَيْسَ الْوَاصِل بِالْمُكَافِئِ " , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " قَامَ أَعْرَابِيّ فَقَالَ اللَّهُمَّ اِرْحَمْنَا " , وَحَدِيث أَبِي شُرَيْحٍ " مَنْ لَا يَأْمَن جَاره " وَحَدِيث جَابِر " كُلّ مَعْرُوف صَدَقَة " , وَحَدِيث أَنَس " لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا " , وَحَدِيث عَائِشَة " مَا أَظُنّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ دِيننَا " , وَحَدِيث أَنَس " إِنْ كَانَتْ الْأَمَة " وَحَدِيث حُذَيْفَة " أَنَّ أَشْبَهَ النَّاس دَلًّا وَسَمْتًا " , وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود " إِنَّ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَاب اللَّه " وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " إِذَا قَالَ الرَّجُل يَا كَافِر " , وَحَدِيث اِبْن عُمَر فِيهِ , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " لَا تَغْضَب " , وَحَدِيث اِبْن عُمَر " لَأَنْ يَمْتَلِئ " وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي اِبْن صَيَّاد , وَحَدِيث سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِيهِ فِي اِسْم الْحَزْن , وَحَدِيث اِبْن أَبِي أَوْفَى فِي إِبْرَاهِيم اِبْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِيهِ مِنْ الْآثَار عَنْ الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدهمْ أَحَد عَشَرَ أَثَرًا بَعْضهَا مَوْصُول وَبَعْضهَا مُعَلَّق . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
- تاريخ التسجيل : 01/01/1970
مواضيع مماثلة
» كبري الله مائة مرة واحمدي الله مائة مرة وسبحي الله
» معرفة الحكمة من أمر الله أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم له طريقان
» أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة
» إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه
» ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط
» معرفة الحكمة من أمر الله أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم له طريقان
» أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة
» إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه
» ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط
التشاجيح :: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى