لماذا يرفسون الحمار ؟!
لماذا يرفسون الحمار ؟!
مليون حمار مصري.. إلى اليابان!
كريفي عاش جزءاً كبيراً من طفولته وشبابه قريبا من الحمار، نشأت بيني وبينه صداقة كبيرة، بسبب الخدمات التي يقدمها لي بهدوء ونفس راضية، ولا يسألني عنها أجراً أو شكراً!
وعندما قرأت في تلك الأيام كتاب المفكر المصري الشهير توفيق الحكيم "حمار الحكيم" شعرت كم أنا محظوظ به، فحماري يجد له مكانا فسيحا في القرية، ويتوفر له المرعى الذي يجد فيها حريته، بينما حماره الصغير الذي دخل مزاداً عليه بدافع التسلية فقط، لم يجد له غرفة نوم في شقته!
شأن الحمار وهن مع الزمن كما وهن القطن الطويل التيلة الذي كانوا يشبهونه زمان بالذهب الأبيض، وبسببه كان الجنيه المصري أيام العهود الملكية يسمى لحلوحاً، أي أن أحدا لا يستطيع تحريكه لثقل قيمته، فقد كان يزيد عن أربعة جنيهات استرلينية!
دخل "التوك توك" القرية المصرية فأهمل الناس الحمار ولم تعد له لازمة كركوبة، وتركوه نهبا للجزارين يشترونه بجنيهات قليلة ليذبحوه ويقدموا لحمه هنيئا مريئا رخيصا لمن لا يجدون ثمن كيلو العظم البقري أو الجاموسي أو الخرفاني!
"التوك توك" لمن لا يعرف هو دراجة نارية حولها أبناء شبه القارة الهندية إلى عربة صغيرة تكفي لثلاثة ركاب، تنقلهم من مكان إلى آخر. وقد زحف مؤخرا بفضل أحد رجال البزنس إلى معظم المدن والقرى المصرية.
وتوقعت أن يعود للحمار بعض شأنه عندما غنى له المطرب سعد الصغير "بأحبك يا حمار" ولكن هذا لم يحدث، فقبيلة الحمير اندثرت وكادت تلحق بما أغنت مصر في العصور الماضية عن السؤال والمعونة الأمريكية والعمالة المسافرة إلى الخليج، لدرجة أنني عندما أزور هذه الأيام قريتي، أهتدي إلى "حمار" بالعافية لأبثه شوقي وصداقتي القديمة وحنيني إلى أيام الزمن الجميل!
ويبدو أن كل شيء رائع ذهب مع رحيل الملك فاروق يوم 26 يوليو 1952 وبداية الحكم العسكري الديكتاتوري الذي حول "أم الدنيا" إلى إمرأة من القواعد، امتلأ نيلها العذب بالتلوث والحيوانات النافقة ومياه الصرف الصحي، بل ويتم ردمه جهارا نهارا بواسطة المستثمرين!
بلد القطن تستورد الأقمشة، وحتى الملاحات الكثيرة التي كانت تنتج الملح لم تعد كذلك، كأن الملح تبخر منها، فأصبحت مصر تستورده من السعودية، مع أن الملاحات زادت عن ذي قبل، وماء البحر المالح لا ينفد أبداً!
علبة الكبريت التي كانت تحمل اسم "النيل للكبريت" اندثرت من زمن طويل، وصارت مصر تستورده من ماليزيا، تماما مثل الزجاج الذي كانت تتنتج أفضله عالميا من مصانع أغلقت أبوابها حاليا.
الأرض التي تكلم القرآن الكريم عن خيرها الزراعي الوفير من الفول والعدس والبصل، والتي تحمل مقابر الفراعنة وأثارهم رسومات أيام حصاد القمح، وكانت سلته للآخرين كما تخبرنا سورة "يوسف".. هذه الأرض لم تعد موجودة لتجود بذلك، فقد طمع فيها رجال الأعمال وحولوها إلى منتجعات سياحية!
عندما كان يقول لنا الإنجليز - كما تعلمنا في كتب التاريخ المدرسية - أننا دولة زراعية ويجب أن نهتم بالزراعة فهي التي نتفوق فيها، نزعل ويقطب الجبين منا، ونقول إنهم يتآمرون علينا ويريدوننا أن نظل سوقاً لمنتجاتهم!.. ثم جاء الزمن الذي نسينا فيه مهنة أجدادنا طوال آلاف السنين، وجئنا بخبراء من اسرائيل ليعلمونا الزراعة!
أخيراً شعرت بأن هناك شيئاً عندنا لا يزال قادراً على التفوق وأنه أفضل مما في العالم، وفي إمكاننا أن نباهي به الخلق. طبعاً كم هو مثير ومدهش ومفرح لي شخصياً أن يكون هذا الشيء هو الذي ظللنا طول عمرنا نستهين به ونحط من شأنه.
إنه صديقي وحبيبي الحمار، الذي انتبهت اليابان إلى قيمته، فقررت استيراد مليون نسمة منه، بعد أن اكتشفت أن الحمير المصرية، أفضل من جميع حمير الدول الأخرى في مواصفاتها، فجلدها غني بمواد تستخدم في صناعة دواء تقوم بانتاجه وتصديره!
شركة الدواء اليابانية واسمها "كوماهو" قدرت الصفقة بنصف مليون دولار، وقالت إنها اختارت الحمار المصري بعد أبحاث طويلة خضع لها مع الحمير الهندية والتايلندية والأمريكية والفيتنامية والأفغانية، أثبتت تفوقه عليها جميعا.
خذ بالك من "الأمريكي" هذه.. لقد كانت وحدها كفيلة بأن أشعر بالزهو والفخر لعلو قامة حميرنا!!.. فأخيرا حقق لنا صديقي "الحمار" ما كنا نحلم به في اليقظة والمنام والخيال!
الشركة اليابانية تعلم أننا هجرنا تقريبا الزراعة وأصبحنا من عشاق ترسانات المباني الأسمنتية وأن الرقعة الزراعية تضيق وتكاد تختفي، ولا نملك حاليا سوى 700 ألف حمار، فمن أين لنا بكمالة المليون؟!.. فطلبت من الحكومة المصرية توفير ما تستطيعه بصورة عاجلة، والباقي يكون من خلال مشروع مشترك لتسمين الحمير. وحددت سعر الحمار الواحد بين 400 و600 دولار، يعني حوالي 4 آلاف جنيه مصري، وذلك لتفتح نفسنا على هذا المشروع المربح الذي ربما ينافس مستقبلا مداخيلنا من قناة السويس والسياحة!
الآن سيردد الناس بحماس شديد مع سعد الصغير "بأحبك يا حمار، وبزعل قوي لما حد يقولك يا حمار"!
وعندما قرأت في تلك الأيام كتاب المفكر المصري الشهير توفيق الحكيم "حمار الحكيم" شعرت كم أنا محظوظ به، فحماري يجد له مكانا فسيحا في القرية، ويتوفر له المرعى الذي يجد فيها حريته، بينما حماره الصغير الذي دخل مزاداً عليه بدافع التسلية فقط، لم يجد له غرفة نوم في شقته!
شأن الحمار وهن مع الزمن كما وهن القطن الطويل التيلة الذي كانوا يشبهونه زمان بالذهب الأبيض، وبسببه كان الجنيه المصري أيام العهود الملكية يسمى لحلوحاً، أي أن أحدا لا يستطيع تحريكه لثقل قيمته، فقد كان يزيد عن أربعة جنيهات استرلينية!
دخل "التوك توك" القرية المصرية فأهمل الناس الحمار ولم تعد له لازمة كركوبة، وتركوه نهبا للجزارين يشترونه بجنيهات قليلة ليذبحوه ويقدموا لحمه هنيئا مريئا رخيصا لمن لا يجدون ثمن كيلو العظم البقري أو الجاموسي أو الخرفاني!
"التوك توك" لمن لا يعرف هو دراجة نارية حولها أبناء شبه القارة الهندية إلى عربة صغيرة تكفي لثلاثة ركاب، تنقلهم من مكان إلى آخر. وقد زحف مؤخرا بفضل أحد رجال البزنس إلى معظم المدن والقرى المصرية.
وتوقعت أن يعود للحمار بعض شأنه عندما غنى له المطرب سعد الصغير "بأحبك يا حمار" ولكن هذا لم يحدث، فقبيلة الحمير اندثرت وكادت تلحق بما أغنت مصر في العصور الماضية عن السؤال والمعونة الأمريكية والعمالة المسافرة إلى الخليج، لدرجة أنني عندما أزور هذه الأيام قريتي، أهتدي إلى "حمار" بالعافية لأبثه شوقي وصداقتي القديمة وحنيني إلى أيام الزمن الجميل!
ويبدو أن كل شيء رائع ذهب مع رحيل الملك فاروق يوم 26 يوليو 1952 وبداية الحكم العسكري الديكتاتوري الذي حول "أم الدنيا" إلى إمرأة من القواعد، امتلأ نيلها العذب بالتلوث والحيوانات النافقة ومياه الصرف الصحي، بل ويتم ردمه جهارا نهارا بواسطة المستثمرين!
بلد القطن تستورد الأقمشة، وحتى الملاحات الكثيرة التي كانت تنتج الملح لم تعد كذلك، كأن الملح تبخر منها، فأصبحت مصر تستورده من السعودية، مع أن الملاحات زادت عن ذي قبل، وماء البحر المالح لا ينفد أبداً!
علبة الكبريت التي كانت تحمل اسم "النيل للكبريت" اندثرت من زمن طويل، وصارت مصر تستورده من ماليزيا، تماما مثل الزجاج الذي كانت تتنتج أفضله عالميا من مصانع أغلقت أبوابها حاليا.
الأرض التي تكلم القرآن الكريم عن خيرها الزراعي الوفير من الفول والعدس والبصل، والتي تحمل مقابر الفراعنة وأثارهم رسومات أيام حصاد القمح، وكانت سلته للآخرين كما تخبرنا سورة "يوسف".. هذه الأرض لم تعد موجودة لتجود بذلك، فقد طمع فيها رجال الأعمال وحولوها إلى منتجعات سياحية!
عندما كان يقول لنا الإنجليز - كما تعلمنا في كتب التاريخ المدرسية - أننا دولة زراعية ويجب أن نهتم بالزراعة فهي التي نتفوق فيها، نزعل ويقطب الجبين منا، ونقول إنهم يتآمرون علينا ويريدوننا أن نظل سوقاً لمنتجاتهم!.. ثم جاء الزمن الذي نسينا فيه مهنة أجدادنا طوال آلاف السنين، وجئنا بخبراء من اسرائيل ليعلمونا الزراعة!
أخيراً شعرت بأن هناك شيئاً عندنا لا يزال قادراً على التفوق وأنه أفضل مما في العالم، وفي إمكاننا أن نباهي به الخلق. طبعاً كم هو مثير ومدهش ومفرح لي شخصياً أن يكون هذا الشيء هو الذي ظللنا طول عمرنا نستهين به ونحط من شأنه.
إنه صديقي وحبيبي الحمار، الذي انتبهت اليابان إلى قيمته، فقررت استيراد مليون نسمة منه، بعد أن اكتشفت أن الحمير المصرية، أفضل من جميع حمير الدول الأخرى في مواصفاتها، فجلدها غني بمواد تستخدم في صناعة دواء تقوم بانتاجه وتصديره!
شركة الدواء اليابانية واسمها "كوماهو" قدرت الصفقة بنصف مليون دولار، وقالت إنها اختارت الحمار المصري بعد أبحاث طويلة خضع لها مع الحمير الهندية والتايلندية والأمريكية والفيتنامية والأفغانية، أثبتت تفوقه عليها جميعا.
خذ بالك من "الأمريكي" هذه.. لقد كانت وحدها كفيلة بأن أشعر بالزهو والفخر لعلو قامة حميرنا!!.. فأخيرا حقق لنا صديقي "الحمار" ما كنا نحلم به في اليقظة والمنام والخيال!
الشركة اليابانية تعلم أننا هجرنا تقريبا الزراعة وأصبحنا من عشاق ترسانات المباني الأسمنتية وأن الرقعة الزراعية تضيق وتكاد تختفي، ولا نملك حاليا سوى 700 ألف حمار، فمن أين لنا بكمالة المليون؟!.. فطلبت من الحكومة المصرية توفير ما تستطيعه بصورة عاجلة، والباقي يكون من خلال مشروع مشترك لتسمين الحمير. وحددت سعر الحمار الواحد بين 400 و600 دولار، يعني حوالي 4 آلاف جنيه مصري، وذلك لتفتح نفسنا على هذا المشروع المربح الذي ربما ينافس مستقبلا مداخيلنا من قناة السويس والسياحة!
الآن سيردد الناس بحماس شديد مع سعد الصغير "بأحبك يا حمار، وبزعل قوي لما حد يقولك يا حمار"!
فراج إسماعيل
- تاريخ التسجيل : 01/01/1970
مواضيع مماثلة
» لماذا يجب على كل مستخدم تغيير كلمات المرور
» لماذا دائماً أبداً , قصيدة للشاعر الفلسطيني عبد الله مسعود
» لماذا دائماً أبداً , قصيدة للشاعر الفلسطيني عبد الله مسعود
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى